في محله القديم المتواضع وسط بلدة نابلس القديمة، يجهد الحاج بهجت زبلح، أقدم مكوجي تقليدي في المدينة، في كيِّ بعض الملابس لزبائنه المعتادين.
لا يافطة ترشدك الى المحل، الذي مضى على افتتاحه أكثر كم نصف قرن وانما فقط قميص معلق عند مدخله، وكأن الرجل أراد أن يقول من خلاله (هنا محل زبلح لكي الملابس).
كل شيء في المحل يدل على قدمة؛ المقاعد الخشبية المهترئة، اول مكواة استعملها زبلح في مهنته، المذياع، الهاتف، بابور الكاز، كلها قطع يتمسك بها زبلح وباتت جزءا من تاريخه وذكرياته.
يبدأ زبلح وهو والد عشرة أبناء بسرد بعض تفاصيل الرواية، مشيرا الى انه كان في مرحلة الإعدادية، حينما قرر الالتحاق بهذه المهنة.
ويضيف: “أرادت والدتي إشراكي في العمل إلى جانب الدراسة، وكنت بعد دوامي في المدرسة أتفرغ للعمل. وقد عملت في أول محل ثم انتقلت الى الثاني فالثالث، وبدأت اراكم خبراتي في كي الملابس، وما لبثت ان فضلت العمل على الدراسة فتركت مدرستي “مدرسة الغزالية”وتمكنت من فتح محلي الخاص لكي الملابس عام 1970”.
ويقول بأنه كان ومنذ صغره يهوى كي الملابس، وكان يقوم بكي ملابس عائلته كجزء من هوايته، وحينما بلغ الثالثة عشر من عمره، بدأ يفكر جديا في تبني هذه المهنة.
ويشير الى انه اعتاد أنه يبدأ العمل صباحا على أنغام أم كلثوم، والاستماع الى نشرة الأخبار الصباحية على المذياع.
“أقوم بغسل الملابس قبل كيها، حتى لو كانت مغسولة” يقول زبلح. ويضيف: ” كان الكي يتم عن طريق مكواتين من الحديد، ويجري تسخين المكواتين على باباور الكاز، وكانت عملية الكي تستغرق وقتا طويلا قرابة النصف ساعة للقطعة الواحدة. وفي عام ١٩٦٩ حلت المكواه البخارية وبات الكي يستغرق بضع دقائق”.
ويتابع زبلح: “إقبال الزبائن اختلف عن الماضي، فقديما كان الإقبال كبيرا، وعادة ينشط العمل في مواسم الأعياد والاعراس. ومع قدوم المغتربين من أمريكا وفنزويلا وغيرهما. وكان الزبائن معروفين يرتدون البدل الرسمية والسباط، ولفظ افندي كان شائعا آنذاك. وكثيرا ما كان يأتي أبنائي لمساعدتي خصوصا في تلك المواسم التي تحتاج لأكثر من شخصين لإتمام العمل، ولكن حديثا انخفضت نسبة الزبائن، ولم يتبق سوى بعضهم ممن اعتادوا على القدوم للمحل”.
ويكمل زبلح: “كمهنة، لا انصح أبنائي بممارستها، وتعمدت أن لا أعلمهم أصولها، كي ينخرطوا بالتعليم، فهذه المهنة باتت تلفظ انفاسها الاخيرة، خاصة مع انتشار محال الغسيل والكي الآلية. كما ان للموقع دورا كبيرا، فكثيرون يفضلون الذهاب الى الاسواق والمراكز الحديثة بدلا من الدخول الى دهاليز وأزقة البلدة القديمة”.
ويلخص زبلح الحكاية بقوله: “انها مهنة تحتضر”.
كتابة: آية البحش ورقية سماحنة