تحاول الكثير من الأمهات أن يقمن بدور المعلمات، بعض الوقت، في الشرح وإيصال المعلومات لأبنائهن، ومنهن الأم ميس أبو حجلة التي اكتشفت أن لديها أساليب شرح “شيقة وسلسة” في تعليم ابنها في المرحلة الابتدائية وإيصال المعلومة له بطريقة بسيطة وممتعة، وذلك باستخدامها وسائل تعليمية تقوم بعملها بنفسها؛ من خلال إعادة تدوير بعض الأدوات المتوفرة في بيتها لصناعة المجسمات والوسائل التعليمية، ما دفعها فيما بعد لتستخدم “التجسيم” لتحويل النصوص إلى وسائل تعليمية “ثلاثية الأبعاد” كمشروعٍ لها، بيد أنها الآن تقوم بتطبيق الكثير من تلك الوسائل التعليمية المبتكرة لتسهيل العملية الدراسية للأطفال، وتبسيط دروس العلوم والدين والرياضيات لمختلف الصفوف والمراحل الدراسية بطريقةٍ جذابةٍ في محاولةٍ لشرح الدروس وتبسيطها.
تحاول أبو حجلة أن تتجه نحو الإبداع في التفاصيل، مهما كان نوعها وطبيعتها، فقبل أن تباشر في شرح الدرس بالوسيلة التي تُعدها، تقوم بقراءته، ثم التفكير في ماهية الطريقة الأفضل للشرح، لتحويل الدرس إلى عمل بسيط ممتع، يتم من خلاله الشرح والحديث بمكوناته دون الحاجة إلى التلقين، بل من خلال حوار تفاعلي، يزيد من مهارة الأطفال في توظيف كلماتهم وحركاتهم وفهمهم له من خلال مشروع المجسمات التعليمية الذي اطلقت عليه اسم (M & M).
ميس أبو حجلة موظفة حكومية في وزارة المالية، من سكان مدينة نابلس، حاصلة على شهادة هندسة حاسوب، واجهت كأيّ أُمٍّ الكثير من المعوقات خلال اتباع الطرق التقليدية في تعليم ابنها الدروس الأساسية، فما كان منها إلا أن تبتكر لتبسط عليه فهم المواد ودراستها بطريقة بسيطة، وهنا أصل الحكاية.
فقبل ٦ سنوات أرادت ميس من ابنها معتز أن يترسخ درس لغته العربية “مدرستي” في ذهنه، وبدأت بافعل بصنع مجسم مدرستي، ليكون وسيلة تعليمية تُعينه وتعين كل الأطفال على التعلم والاستمتاع في الوقت ذاته، وتقريب الفكرة إلى أذهانهم، وما تركته هذه الوسيلة من أثر إيجابي عند الأطفال جعلها تبدع وتبدأ بعمل هذه الوسائل التعليمية، كما قامت بتصوير مقاطع فيديو قصيرة تعليمية مع ابنها معتز، ونشرتها عبر صفحتها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة على الجميع وتصل المعلومة.
من هنا انطلقت الفكرة..
تقول المهندسة ميس أبو حجلة لـ”القدس”: فكرتي بدأت عندما دخل ابني الصف الأول الابتدائي، وبدأت إعداد الوسائل التعليمية له، ومن خلال تواصلي مع المعلمات وحديثهن لي عن ما أُعده من وسائل بأفكار جديدة وغريبة تفاعل معها الأطفال بشكل كبير، وطلبهنّ مني أن أُعد وسائل، بدأت بالفكرة كمشروعٍ خاصٍّ بي.
وتضيف: بالفعل اتفقت مع المكتبات، ونشرت إعلاناً على صفحة “شو بدك من فلسطين”، وباشرت عمل المجسمات والوسائل التعليمية التفاعلية، وأُنشئت صفحة خاصة بالمشروع أطلقت عليها اسم (M & M)، وهما أول حرف من اسمي ومن اسم ابني معتز الذي كان الشرارة الأولى لإطلاق المشروع، وكونه مساعدي في كل شيء، سواء أكان بالعمل معي وأنا أُعد المجسمات والوسائل أم حتى بالأفكار والآراء التي يعطيني إياها، أم بالفيديوهات التعليمية التي نقدمها معاً، حيث نعطي شرحاً عن الوسيلة التعليمية لتوصيل المعلومة للجميع بطريقة قصصية يسهل فهمها على الطالب.
وتتابع أبو حجلة: هناك العديد من الصفحات التي تقوم بعمل مجسمات ووسائل تعليمية تفاعلية، إلا أنني استطعتُ أن أتميز بأفكاري لأنها أفكار جديدة غير موجودة، وليست من الإنترنت، بل كلها من بنات أفكاري وابتكاري، إضافةً إلى أنني أعملها بيدي دون الاستعانة بأيّ قطعٍ جاهزة، كما أنني أرسم وأكتب بيدي، لا أطبع الصور والكلمات أبداً، وأحرص على أن تكون المجسمات خفيفة ومتينة، وأبتعد عن أيّ مواد سامة أو قابلة للكسر في حال مسكها الطالب، لتكون آمنة ١٠٠٪.
وتواصل ميس: إن إعداد أي مجسم أو وسيلة لغاية تعليمية يختصران درساً كاملاً أو وحدة من كتاب ليس بالأمر السهل، فهو يستغرق وقتاً وجهداً، ففي البداية يجب أن أعرف مواضع الصعوبة والضعف لدى الطالب وأتناقش مع المعلمين حتى أضع في مخيلتي الفكرة وأدرسها وأبحث عن مصادرها العلمية وآلية عملها، فقد تكون الوسيلة رسماً مضافاً له بعض الحركات التفاعلية، أو مجسماً أُدلل عليه وأجعله ثلاثي الأبعاد، ثم أُطبقها على أرض الواقع، فالهدف ليس فقط تقديم أفكار جديدة، بل تبسيط المعلومة لتسهيل استيعابها وفهمها وترسيخها في أذهان الطلاب.
تنوُّع المجسمات بين المواد العلمية والعلوم الإنسانية
وتتنوع أعمال ميس ومجسماتها بين المواد العلمية والعلوم الإنسانية، لتخدم الطلبة بمختلف أعمارهم، خاصة أنها تتابع مع كل ما تُعده من وسائل ومجسمات الأثر الناتج عنها وكيفية تفاعل الطلاب معها ومدى قدرتها على إيصال المعلومة للطلبة بما يحقق احتياج المعلم لتوصيل المعلومة بحذافيرها، وجعلها شيئاً ملموساً بين يدي الطالب.
وتشير ميس إلى أن تفوقها في دراستها وقدرتها على الرسم ساعداها كثيراً في عملها، إلا أن إعداد الوسائل التعليمية أمرٌ مكلف، بالرغم من أنها تستخدم الكثير من المواد الموجودة في منزلها بإعادة تدويرها، إلا أنها أيضاً تحتاج إلى مواد أُخرى تقوم بشرائها، ما يجعل بعضها مكلفاً مادياً، خاصةً أنها لا تعمل بهذا المشروع من أجل الهدف المادي، فالعائد المالي غير مُجدٍ، غير الوقت الذي تستغرقة في إعداد تلك الوسائل، إلا أنها تستمتع كثيراً، فهي هواية، وتحقق من خلالها فائدة للمجتمع.
ولذلك تطمح أبو حجلة، كما تقول، إلى أن تجد حاضنةً لمشروعها، “فهو يحتاج ميزانيةً لتوسعته، خاصةً في ظل الطلب المتزايد على إنتاج وسائل تعليمية أكثر، وتضاعف الطلب على المجسمات بشكلٍ أكبر، ليس فقط في فلسطين، بل أيضاً من دول عربية، ولكن هناك صعوبات في آليات إيصالها ونقلها”.
ميس أبو حجلة الأُم تعمل بلا كللٍ أومللٍ على منضدةٍ في مطبخها لإعداد مجسمات مختلفة ومتنوعة في النوع والشكل، تمتاز بإتقانها ومشابهتها الواقع وتوصيل الفكرة من الدروس بطريقة بسيطة، وكان هذا التميز دافعاً لها لإنتاج أكثر من ألفي مجسم ووسيلة تعليمية لمدارس عدة في الضفة الغربية ولطلبة جامعات، ليستفيد منها آلاف الطلاب وتقوم بمساعدتهم، وتحتاج مَن يُعينها على توسيع مشروعها ليخدم أعداداً أكبر.